وقف المساعدات الأمريكية.. تهديد جديد يؤدي إلى تضييق الخناق على لبنان

وقف المساعدات الأمريكية.. تهديد جديد يؤدي إلى تضييق الخناق على لبنان
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

عاد الحديث مجددا عن وقف المساعدات الأمريكية إلى لبنان، مع تقارير تفيد بأن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اشترطت تقديم إنجازات لعودتها، وذلك بعد نحو شهر من قرار البيت الأبيض بتقييم جميع المساعدات الخارجية التي تمنحها الولايات المتحدة لبلدان عديدة منها لبنان. 

ويرى خبراء ومحللون أن وقف المساعدات الأمريكية التي تتجاوز 450 مليون دولار سنويا له تأثير مهم في محاور اقتصادية وسياسية وجيوسياسية وعسكرية، متوقعين ألا تعترف الولايات المتحدة بهذا الخطأ تجاه لبنان الذي يعيد بناء دولته وانتشار جيشه، وتعيد عملية المساعدات بشكل جديد أو تقوم بيروت بالبحث عن بدائل دولية لتعويض هذا النقص، أو محاولة تعزيز الاعتماد الذاتي عبر إطلاق إصلاحات اقتصادية جادة.

وأكّدت وزارة الخارجية الأمريكية، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام عربية منها لبنانية "إيقاف جميع المساعدات الأمريكيّة للبنان بهدف مراجعتها، لضمان توافقها مع سياسة واشنطن"، مشيرةً نقلًا عن ترامب، إلى أنّ "واشنطن لن توزّع الأموال دون عائد للشّعب الأمريكي".

ونقلت التقارير ذاتها عن مصادر ترجح أن ترامب والجمهوريين سيضعون صيغة عمل تقوم على انتظار ما يفعله اللبنانيون، ولو نجحوا نعطيهم المساعدات المالية والعسكرية، ولكن لا شيء سيصل إلى الجيش اللبناني أو باقي المؤسسات اللبنانية بناء على وعود.

وكان الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، قبل أن يغادر الرئاسة، خصص 117 مليون دولار أمريكي يذهب جزء منها لقوى الأمن الداخلي، وتجاوز اعتراض الجمهوريين في مجلس النواب وأقرّ المساعدات في 18 يناير الماضي أي قبل يومين من نهاية ولاية بايدن ووصل ترامب.

وقف المساعدات الخارجية

وعقب تنصيب ترامب أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، وقف "جميع المساعدات الخارجية الأمريكية الممولة من قبل أو من خلال وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بهدف مراجعتها لضمان كفاءتها وتوافقها مع السياسة الخارجية الأمريكية بموجب أجندة أمريكا أولاً".

ومع الحديث الأمريكي الجديد بشأن وقف المساعدات للبنان، والذي لم تنفِه واشنطن أو تعلق عليه بيروت، اعتبرت تقارير إعلامية لبنانية أن قرار ترامب بشأن لبنان يشكل صدمة داخل القطاعات الإنسانية والتنموية، بعد فقدان العديد من الأفراد وظائفهم أو عقودهم المستقبلية، وتوقف الدعم عن ملايين الأسر التي تعتمد على المساعدات الأمريكية. 

وكان لبنان من بين الدول التي تأثرت بشدة بقرار الإدارة الأمريكية، بعد أن كانت الولايات المتحدة -واحدة من أكبر المانحين في القطاعَين الإنساني والتنموي والقطاع العسكري في لبنان- سحبت يدها من أيّ تمويل داخلي. 

ففي عام 2023، تلقّى لبنان مساعدات أمريكية، منها 130 مليون دولار ضمن التمويل العسكري، و83 مليون دولار لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، و125 مليون دولار للمساعدات الغذائية الطارئة، إضافةً إلى عشرات الملايين لدعم سبل العيش لعناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، إلى جانب مبادرات أخرى، وفق الإعلام اللبناني.

وفقد حوالي 2000 موظف يعملون في والوكالة الأمريكية للتنمية USAID وظائفهم، بخلاف أن قرار ترامب في القطاع التعليمي أثر سلبا بعد أن كانت أمريكا تمنح المساعدات المالية التعليمية لبعض الطلاب والمدارس والجامعات.

التأثيرات المتوقعة

وفي قراءة لقرار إدارة ترامب بشأن المساعدات بشكل عام،  قال مدير مركز تطوير للدراسات الاستراتيجية بلبنان، هشام دبسي، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن السياسات الجديدة التي يتبعها البيت الأبيض تحمل مضامين سلبية عديدة في أكثر من اتجاه، ولا يمكن أن تحمل أفقا مريحا خاصة وهي صادرة من دولة عظمى، وهذه السياسات ليست من سمات تلك الدول، مؤكدا أن ذلك القرار يحمل موقفا ارتجاليا مرتبطا بالصراعات الداخلية الأمريكية بين الحزب الديمقراطي الذي يراه نفسا حديثا تقدميا وآخر يراه جمهوريا محافظا لديه نزعة محلية واستعلاء في القول.

وبشأن تأثير ذلك القرار على بيروت، يضيف دبسي قائلا: "سيكون له تأثير مهم في الشأن اللبناني ولكنه ليس كبيرا للدرجة التي تهز المجتمع، لأن حجم المساعدات الأمريكية الإجمالية للدولة اللبنانية سواء عبر المؤسسات الرسمية أو المجتمع المدني لا يتجاوز 450 مليون دولار"، مشيرا إلى أن "هذا المبلغ مهم في لبنان لكنه بلد به حراك وحيوية أعلى من أي بلد في الشرق الأوسط في كيفية التغلب على المشكلات المباشرة التي يعاني منها الشعب اللبناني".

واستدرك، قائلا: "لكن القطاع التعليمي تضرر لأن به كثيرون كان يعتمدون على المنح الأمريكية بخلاف قطاع بالدولة كان يعتمد على تلك المساعدات لتطوير أعمال وتنمية الوزارات بخلاف المساعدات الاجتماعية الشاملة".

ولا يعتقد مدير مركز تطوير للدراسات الاستراتيجية بلبنان، هشام دبسي، أن "القرار سيكون كارثة على الحالة اللبنانية التي تعيش كارثة بالأساس نتيجة سياسات محور الممانعة وحزب الله الذي استنزف الاقتصاد اللبناني ودفع البلاد للإفلاس وبالتالي لا يضير الغريق بللا".

وأشار إلى وجود تناقض ومسألة فجة تثيرها مسألة وقف المساعدة الأمريكية للبنان، موضحا أنه في الوقت التي تقول الولايات المتحدة إنها تدفع بلبنان باتجاه الاستقرار تسمح لإسرائيل بشن حرب واسعة النطاق عليه، وبينما تقول إنها تدعم الجيش وبناء الدولية، تسير في اتجاه معاكس وتضعها لبنان ضحية عرضية لسياسات عمياء أمريكية.

ويرى أن تلك السياسة الأمريكية تجاه لبنان قصيرة النظر وانفعالية وفيها قدر من الارتجال والارتهان للصراعات الداخلية ولا تفيد علاقات البلدين، لافتا إلى أن القرار لا يعفيه أنه لا يشمل لبنان فقط ويشمل كل الخارج، متوقعا ألا تعترف واشنطن بهذا الخطأ وتعمل على تدوير عملية المساعدات مجددا بأشكال مختلفة للتخفيف من أثر هذا القرار مستقبلا.

أدوات الضغط

بدوره، قال الباحث والمحلل السياسي اللبناني الدكتور طارق أبوزينب، في تصريح لـ"جسور بوست" إن وقف المساعدات الأمريكية إلى لبنان يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات واسعة على الصعد الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية والجيوسياسية، وقد يكون أداة ضغط على الحكومة اللبنانية لتنفيذ إصلاحات اقتصادية وتنفيذ القرارات الدولية.

وعلى الصعيد الاقتصادي، يعتمد لبنان بشكل كبير على المساعدات الدولية، بما في ذلك الأمريكية، لتمويل مشاريع حيوية في مجالات الصحة، والتعليم والبنية التحتية، إذ قال طارق أبوزينب: "وقف هذه المساعدات قد يؤدي إلى تعطيل هذه المشاريع وزيادة الضغط على قطاعات تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية حادة، ما قد يُفاقم الوضع المعيشي ويزيد من معاناة المواطنين، إضافة إلى أنه سيؤدي إلى تراجع ثقة المانحين الآخرين مثل الاتحاد الأوروبي أو دول الخليج، ما قد يحد من فرص لبنان في الحصول على الدعم الخارجي".

وفي المجال العسكري والأمني، فإن المساعدات الأمريكية تلعب دورًا أساسيًا في دعم الجيش اللبناني عبر توفير التدريب والمعدات، ووقف هذه المساعدات قد يؤدي إلى ضعف قدرات الجيش، ما يهدد استقراره ويزيد من المخاطر الأمنية في بلد يعاني من هشاشة في بنيته الأمنية. قد يؤدي هذا الفراغ إلى تعزيز دور حزب الله ومن خلفه إيران، ما يعرض الأمن الوطني لمزيد من التحديات، يتوقع المحلل السياسي اللبناني تداعيات القرار.

وعلى المستوى السياسي، يرى طارق أبوزينب أنه "يمكن النظر إلى وقف المساعدات كأداة ضغط على القوى السياسية اللبنانية، خاصة في ما يتعلق بعلاقتها مع "حزب الله" أو بسياساتها الإقليمية وقد يؤدي هذا الضغط إلى تعميق الانقسامات الداخلية بين القوى السياسية المختلفة، خاصة إذا استُغل لزيادة الاستقطاب الطائفي أو لتبادل الاتهامات حول المسؤولية عن الأزمة".

وجيوسياسيًا، فإن وقف المساعدات الأمريكية قد يفسح المجال لدول مثل روسيا والصين أو إيران لتعزيز نفوذها في لبنان من خلال تقديم مساعدات بشروط تخدم مصالحها الاستراتيجية، وهذا التحول قد يعيد تشكيل التحالفات الدولية للبنان، ما يؤثر على وضعه في سياق التوازن الإقليمي والدولي، برأي المحلل السياسي اللبناني الدكتور طارق أبوزينب.

وقد تسعى الولايات المتحدة إلى استخدام هذه الخطوة كوسيلة للتفاوض مع الحكومة اللبنانية، لربط استئناف المساعدات بتحقيق إصلاحات محددة أو تغييرات في سياساتها -يتوقع أبوزينب- مشيرا إلى أن هذا قد يضطر لبنان إلى البحث عن بدائل دولية لتعويض هذا النقص، أو محاولة تعزيز الاعتماد الذاتي عبر إطلاق إصلاحات اقتصادية جادة.

وبشكل عام، يرجح المحلل السياسي اللبناني طارق أبوزينب، أن "وقف المساعدات الأمريكية سيكون له تداعيات كبيرة، لكنه قد يشكل أيضًا فرصة للبنان لإعادة ترتيب أولوياته السياسية والاقتصادية، إذا تمكنت الحكومة اللبنانية من التعامل مع الوضع بحكمة وتجنب التبعات الأكثر خطورة".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية